الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمّ علينا النعمة، وجعل في اتباع السنة السلامة، وفي مجانبة البدعة العصمة، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، الذي قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه.
البدعة في الاصطلاح الشرعي: ما أُحدث في الدين مما لا أصل له من الكتاب ولا من السنة، قال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام (1/37): طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.
والبدعة مردودة ولو حسُن قصد صاحبها، كما في الحديث الصحيح: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"(رواه مسلم).
فالبدعة لا يُنظر فيها إلى حسن النية، ولا إلى كثرة الفاعلين، وإنما تُوزن بميزان الشرع.
ولقد ظهر في هذا الزمان من يتساهل في أمر البدع، بل يدعو إلى القبول بها، ويدفع عن أصحابها، ويُزَيِّن بعض صورها تحت عناوين خادعة، مثل:
- "البدعة الحسنة"
- "مصلحة عامة"
- "نُحبُّهم ونتغاضى عن أخطائهم"
- "ليست هذه من صلب العقيدة"
وهذا مذهب محدث، يناقض طريقة السلف الصالح.
قال عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي: قال لي أحمد إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". (الآداب الشرعية لابن مفلح 1/233).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إلَى إبْلِيسَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَاصِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَاصٍ فَيَتُوبُ وَالْمُبْتَدِعُ يَحْسَبُ أَنَّ الَّذِي يَفْعَلُهُ طَاعَةٌ فَلَا يَتُوبُ. (الفتاوى الكبرى 11/633))
وقد وردت أدلة من الكتاب والسنة في ذم البدعة:
قال الله تعالى: ﴿أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله﴾.
وقال النبي ﷺ: "وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح). وفي رواية النسائي:
"وكل ضلالة في النار". فهل بعد هذا البيان من مجال للتساهل أو التهوين؟! كيف يتجرأ المتساهل على جعل ما هو في النار قربة يتقرب بها إلى الله؟!
ومن شبهات دعاة التساهل قولهم "بدعة حسنة:"
ويرد عليهم:
إنّ الحديث الذي يتمسكون به: "من سن في الإسلام سنة حسنة..." لا يدل على البدعة، بل يدل على إحياء السنن المشروعة، بدليل سبب الحديث، وهو أن رجلًا تصدق، فتتابع الناس، فقال النبي ﷺ: "من سنَّ في الإسلام..."، أي: أحيا سنة مندثرة، لا أنه ابتدع عبادة جديد، ومعلوم أنّ الصدقة من الدين.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/185): كلُّ عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَنْ أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس مِنَ الدين في شيء.
ومن الشبهات قولهم "هذه مسائل فرعية وليست أصولًا:"
ويرد عليهم:
إنّ كل بدعة في الدين - سواء في الأصول أو الفروع - مذمومة، قال الإمام مالك: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة."(الاعتصام للشاطبي 1/64).
والنبي ﷺ لم يُفرط في شيء من الدين، فمن زاد فقد اتهم الشريعة بالنقص. قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.
ومن الشبهات قولهم "اجتهدوا ولهم أجر:"
ويرد عليهم:
إنّ البدعة ليست محل اجتهاد، لأن شرط الاجتهاد موافقة الدليل، والبدعة ليس عليها دليل.
ومن الأمثلة واقعية على البدع المتساهل بها اليوم:
1. الاحتفال بالمولد النبوي:
o فلا أصل له من فعل الصحابة ولا التابعين.
o وأول من أحدثه العبيديون الباطنية.
2. التمسّح بالقبور والطواف بها ودعاء أصحابها:
o شرك أكبر لا مجرد بدعة.
o وقد انتشرت صورها عند دعاة "الاعتدال" في تساهل شنيع.
وموقف المسلم من أهل البدع ودعاتها كماكان الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُمْ. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 1/150). وكان الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يَقُولُ: مَنْ جَلَسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ فَاحْذَرْهُ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ لَمْ يُعْطَ الْحِكْمَةَ، وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حِصْنٌ مِنْ حَدِيدٍ. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 4/706).
وينبغي الحذر من الترويج لهم أو الإعجاب بأسلوبهم أو التسامح في تزيينهم للناس، قال ابن سيرين: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تسمعوا منهم، فإنهم يمرضون القلوب.
وخلاصة الأمر:
- إنّ التساهل في البدعة تساهل في الدين.
- والواجب هو الحذر منها والتحذير ممن يزينها.
- والسنة طريق النجاة، ومن أحب النبي ﷺ لزِم سنته، ولم يبتدع. قال الله تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)).
نسأل الله أن يحيينا على السنة، ويقبضنا عليها، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه.
وكتب
ناجي إبراهيم الدوسري
الخميس 17/ ذو القعدة / 1446هــ
15/5/2025
إرسال تعليق