بعض شروح صحيح البخاري

 

 

الصلاة على القبر بعد الدفن

لا بأس بالصلاة على القبر بعد دفن الميت، خلافاً لما نقل عن بعض أهل العلم من أنّ ما روي من صلاته صلى الله عليه وسلم على قبر مَن مات من أصحابه هي من خصائصه صلى الله عليه وسلم. والحق أنّ ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أحكام شرعية فهي في حقه صلى الله عليه وسلم وحق أمته إلا ما خصّه الدليل أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

وهذه المسألة ثبتت بدليل ولا تخصيص فتدخل أمته معه، ومن الأدلة حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل، فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه، فقال: "ما منعكم أن تعلموني؟" قالوا: كان الليل فكرهنا، وكانت ظلمة أن نشق عليك فأتى قبره فصلى عليه([1]). أيضاً ما رواه قتادة، عن سعيد بن المسيب، أن أم سعد بن عبادة ماتت وهو غائب، فلما قدم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن تصلي على أم سعد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قبرها فصلى عليها([2]). وحديث أبي هريرة: أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات، قال: "أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره - أو قال قبرها –". فأتى قبرها فصلى عليها([3]). قال الزرقاني: قال الإمام أحمد: رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان كلها، قال ابن عبد البر: بل من تسعة كلها حسان([4]).

 فهذه الأحاديث تدل على جواز الصلاة على القبر بعد دفن الميت، ولم يثبت فيها النسخ، ولم يثبت فيها دليل أنها كانت من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم

 

وكتب د. ناجي إبراهيم الدوسري

1/شوال/1444هـ

 

---

([1]) صحيح البخاري (1247).

([2]) مصنف ابن أبي شيبة 3/41.

([3]) صحيح البخاري (458).

([4]) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 2/86.