إنّ هذا العلم من أشرف العلوم وأجلّها، وأفضلها وأعلاها مكانة، فلا أشرف من العلم بالله تعالى وتوحيده والعلم بأسمائه وصفاته؛ لأنّ هذا العلم يدعو إلى محبته وتعظيمه وإجلاله، فكلما قويت معرفة العبد بربه عظم إقباله عليه ولزم أمره واجتنب نهيه واستسلم لكامل لشرعه.
إنّ باب الأسماء والصفات من أهم أبواب العقيدة، لتعلقه بذات الله عز وجل، وصفاته العلى، وقد بيّن الله عز وجل فقال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف:180]. وقال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الشورى:11]. وأثبت عز وجل لنفسه صفات الكمال فقال: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [سورة النحل:60]. والمثل الأعلى: كل صفات الكمال، وكل كمال في الوجود فالله عز وجل أحق به. وله المثل الأعلى من التعظيم والإجلال والمحبة.
وإنّ من أعظم ما يتعبد الله تعالى به معرفته بأسمائه الحسنى وصفاته العلى قال الله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [سورة الأعراف:180]. قال الإمام القرطبي: قوله تعالى: ((فَادْعُوهُ بِهَا)) أي اطلبوا منه بأسمائه، فيُطلب من كل اسم ما يليق به، تقول: يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رزاق ارزقني، يا هادي اهدني، يا فتّاح افتح لي، يا ربّ تبْ علي، هكذا ([1]).
فالعلم بالأسماء الحسنى والصفات العلى من أرفع العلوم قدراً وأسماها مرتبة، وذلك لتعلقه بالذات الإلهية المقدسة، والاشتغال بهذا العلم، والتفكر به، يُعتبر من أجلّ الأعمال وأفضلها، وأكمل صور العبودية التي يُمكن أن يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، كيف؟ وهو يصرف فكره وقلبه إلى الإله العظيم الذي تجلّى بأسمائه الحسنى، واتصف بصفات الكمال والجلال والعظمة.
قال ابن القيم: فالسير إلى الله من طريق الأَسماءِ والصفات شأْنه عجب، وفتحه عجب صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود ولا مشتت عن وطنه ولا مشرد عن سكنه ([2]).
وأسماء الله الحسنى وصفاته العلى مقتضية لآثارها من العبودية، فمعرفة العبد لأسماء الله وصفاته توجب عليه الاستجابة والتأثر بها، مما ينعكس على سلوكه وأفعاله، فعندما يتأمل العبد اسم الله "السميع البصير العليم"، وما يستلزمه من إحاطة علم الله بكل شيء، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإن ذلك يدفعه إلى مراقبة أفعاله وأقواله، وتوجيهها نحو ما يرضي الله سبحانه وتعالى.
وهكذا، يمكن القول بأن جوهر العبادة يكمن في استجابة العبد لأسماء الله وصفاته، حيث يتجلى ذلك في الخضوع والتذلل والخشية والإنابة والخشوع، وغيرها من أفعال العبودية، وبهذا يُعلم أنّ جميع أنواع العبودية راجعة إلى مقتضيات الأسماء والصفات.
وينبغي الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العلى على منهج السابقين الأولين من سلف الأمة الخيّرين؛ واثبات ما أثبته الله عز وجل لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عز وجل عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تأويل ولا تحريف.
كما يجب الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العلى التي وردت في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الصحيحة فلا يسع أحد ردّها، وفهمها على مراد الله عز وجل وعلى مراد رسوله صلى الله عليه وسلم على حقيقتها من غير تأويل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه، وتنزيهه عز وجل أن يشابه المخلوقين وأنّ صفاته مغايرة لصفات خلقه، متفرد بها في عليائه قال تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير } [سورة الشورى:11].
قال الإمام الآجرّي: أَهْلَ الْحَقِّ يَصِفُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ مِمَّنِ اتَّبَعَ وَلَمْ يَبْتَدِعْ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ: كَيْفَ؟ بَلِ التَّسْلِيمُ لَهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ([3]).
وقال قوام السّنة الأصبهاني: قَالَ عُلَمَاء السّلف: جَاءَت الْأَخْبَار عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم متواترة فِي صِفَات اللَّه تَعَالَى مُوَافقَة لكتاب اللَّه تَعَالَى، نقلهَا السّلف عَلَى سَبِيل الإِثبات والمعرفة والإِيمان بِهِ وَالتَّسْلِيم، وَترك التَّمْثِيل والتكييف وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَزَلِيٌّ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ الَّتِي وصف بهَا نَفسه، أَو وَصفه الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بهَا، فَمن جحد صفة من صِفَاته بعد الثُّبُوتِ كَانَ بِذَلِكَ جَاحِدًا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا محدثة لم تكن ثُمَّ كَانَت دخل فِي حكم التشبيه فِي الصِّفَات الَّتِي هِيَ محدثة فِي الْمَخْلُوق، زَائِلَة بِفَنَائِهِ غَيْرَ بَاقِيَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امتدح نَفسه بصفاته، ودعا عباده إِلَى مدحه بذلك وَصدق بِهِ الْمُصْطَفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَبَيَّنَ مُرَادَ اللَّهِ فِيمَا أَظْهَرَ لِعِبَادِهِ مِنْ ذكر نَفسه وأسمائه وَصِفَاته وَكَانَ ذَلِك مفهوما عِنْد الْعَرَب غير مُحْتَاج إِلَى تَأْوِيله([4]).
ومن أنكر أو جحد اسماً من أسماء الله عز وجل، أو صفة من صفاته، فإنه لا يخلو من أمرين:
إما أن يكون انكاره تكذيباً لاسمٍ أو صفة، فهذا كفر لا نزاع فيه، كمن أنكر أنّ لله عز وجل يداً. أو أنّ له عيناً، فهو مكذب لما جاء في القرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وإما أن يكون انكاره تأويلاً وحمل المعنى إلى ما يخالف ظاهره فهذا فيه تفصيل:
إن كان ما أوَّله له مسوغ في لغة العرب، فلا يكفر، مع كونه مبتدعاً، كمن أوّل صفة اليد بالنعمة أو القوة. فإنّ اليد في اللغة تطلق بمعنى النعمة أو القوة.
وإن لم يكن له مسوغاً في لغة العرب فيلحق بمن جحد ويكفر؛ لأنّ تأويله من غير مسوغ في حقيقته تكذيب.
ولقد كفَّر الله عز وجل قريشاً لجحدهم اسم (الرحمن) مع اقرارهم بوجود الله عز وجل، فجحدهم للاسم تضمن كفرهم قال تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب} [سورة الرعد:30].
وأسماء الله عز وجل وصفاته توقيفية، فلا مجال للاجتهاد فيها، وليس لأحد أن يثبت اسماً أو صفة برأيه. فلا بد أن يكون الاسم منصوصاً عليه، ولا يثبت إلا بكتاب الله عز وجل، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل فيها القياس ولا الرأي.
وليست الأسماء الحسنى محصورة بعدد معين، فلا يعلم عددها إلا الله عز وجل، ولا يحصيها أحد، وما جاء بذكر عددها بحديث أبي هريرة رضي لله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ"([5]). فليس على سبيل الحصر في إخبار عدد الأسماء، بل في الإخبار عن دخول الجنة لمن أحصاها. قال القاضي أبو بكر الطيب: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ إِلَّا هَذِهِ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَصْرِ أَنَّ أَكْثَرَهَا صِفَاتٌ وَصِفَاتُ اللَّهِ لَا تَتَنَاهَى([6]).
ومعنى الإحصاء في قوله: "مَن أحصاها" لا يقتصر على حفظها، وإنما يشمل فهمها، والإحاطة بلفظها، والتعبد لله عز وجل بمقتضاها من دعائه بها بما يناسب المطلوب كسؤال المغفرة: يا غفور اغفر لي، والرزق: يا رزاق ارزقني، وهكذا. ومن العمل بما تقتضيه هذه الأسماء، فالرحيم يقتضي الرحمة، فالعمل بما تقضيه من أسباب نيل الرحمة.
ويلزم من مقتضى العمل بها الإيمان الجازم بأنّ الصفة لله تعالى حقيقية منزهاً عن التشبيه والتعطيل، والتحريف والتأويل، تليق بجلاله وكماله عز وجل. فقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [سورة الشعراء:220]. فالسميع اسماً من أسمائه عز وجل فيجب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأنّ الله عز وجل يسمع سمعاً حقيقياً يليق بجلاله وكماله لا يشبه سمع المخلوقين {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [سورة الشورى:11].
وأسماء الله عز وجل تدل على الذات الإلهية المقدسة، ومعاني وأوصاف تدل على ما تضمنه هذا الاسم، فالعزيز اسم من أسماء الله تعالى الدالة على ذاته المقدسة، ويدل هذا الاسم على صفة لله عز وجل لازمة له وهي العزة. والرحيم اسم من أسماء الله عز وجل، وتضمن هذا الاسم صفة الرحمة وهي لازم لله تعالى. وكذلك السميع يدل على السمع، والبصير على البصر. فكل اسم يدل على الذات والصفة.
وباب الصفات أوسع من باب الأسماء؛ فإنّ كلَّ اسم متضمن لصفة، وبعض الصفات متضمن لأفعال الله عز وجل، وأفعاله لا منتهى لها. فإن من صفات الله التي جاءت في كتابه العزيز:
المجيء: قال الله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [سورة الفجر:22].
الإتيان: قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُور} [سورة البقرة:210].
الأخذ: قال تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَاب} [سورة آل عمران:11].
وغيرها من الصفات التي نصف الله عز وجل بها، ولكن لا يمكن أن نشتق من هذه الصفات أسماءً فنسميه بها، فلا نقول إنّ من أسمائه: الجائي، والآتي، والآخذ.
وصفات الله عز وجل العلى تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- صفات ذاتية: وهي صفات ملازمة لذات الله عز وجل لا تنفك عنه، والتي لم يزل عز وجل ولا يزال متصفاً بها، كالسمع والبصر والقدرة، فيجب الإيمان بها على مراد الله عز وجل، وعلى مراد رسوله صلى الله عليه وسلم، على منهج سلف الأمة رضي الله عنهم.
- صفات فعلية: وهي الصفات التي يفعلها الله عز وجل، والتي تتعلق بمشيئته عز وجل، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، إلا أنّ الله عز وجل يتصف بها دائماً، كالكلام: فالله عز وجل يتصف بإنّه يتكلم، متى شاء، وقتما شاء، كيفما شاء، مع من شاء من خلقه، فهي صفة فعليه يفعلها عز وجل إذا شاء بالكيفية التي تليق بجلاله وكماله.
وقد تكون الصفة الفعلية أيضاً ذاتية باعتبار الأصل، كالكلام والخلق فهما يتعلقان بالمشيئة، فمتى شاء تكلم ومع من أراد، ومتى شاء خلق، ومن حيث الأصل هما صفتان ملازمتان لذاته عز وجل.
- صفات خبرية: وهي الصفات التي أخبر الله عز وجل بها عن نفسه في كتابه العزيز، وأخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة، وهذه الصفات يجب الإيمان بها، وإثباتها لله عز وجل، بما يليق بجلاله وكماله:
كاليد في قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُون} [سورة ص:75]. والوجه في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام (27)} [سورة الرحمن:26-27]. والساق في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُون} [سورة القلم:42].
وتوحيد الله عز وجل في أسمائه وصفاته يتضمن أمران:
نفي النقائص والعيوب عن الله عز وجل.
إثبات صفات الكمال لله عز وجل.
فالأول: السلب؛ فإنّه مقصود لغيره لا يُراد لذاته، وإنما يقصد ما تضمنته من إثبات الكمال، فكل ما نفاه الله عز وجل عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقص، فإنه متضمن للمدح والثناء على الله عز وجل بضد ذلك النقص من الأوصاف الحميدة.
وسلْب النقائص والعيوب نوعان:
سلْب متصل: وهو نفي كل ما يناقض صفة من صفات الكمال التي وصف الله عز وجل بها نفسه، أو وصف بها رسوله صلى الله عليه وسلم، كنفي الموت المنافي للحياة في قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [سورة الفرقان:58]. ونفي العجز المنافي للقدرة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوب} [سورة ق:38]. ونفي السِّنة والنوم المنافي لكمال القيومية في قوله تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم} [سورة البقرة:255].
سلب منفصل: وهو تنزيه الله عز وجل عن أن يشاركه أحد من خلقه في شيء من خصائصه، كنفي الشريك له في ربوبيته، فهو المتفرد وحده بالملك والخلق والتدبير. ونفي الشريك له في إلهيته، فهو وحده المتفرد بكل أنواع العبادة. وبيّن ذلك في قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِير} [سورة سبأ:22].
وباب الأفعال أوسع من باب الصفات، فليس كل فعل أضيف إلى الله عز وجل يمكن أن يُشتق منه صفة، وليس كل ما أُخبر به عن الله عز وجل يمكن جعله اسماً أو صفة له، وكذلك ليس كل صفة يمكن أن يُشتق منها اسماً.
فمن الأول قوله تعالى: {اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون} [سورة البقرة:15]. فجاء إضافة فعل ((يَسْتَهْزِىءُ)) لله عز وجل، فلا يمكن القول: أنّ الله عز وجل يوصف بالاستهزاء، وكذلك الحديث: "فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا"([7]). فلا نقول من صفات الله عز وجل الملل. والعمل في مثل هذا أن يطلق مقيداً، فنقول: إن الله يستهزئ بمن استهزأ به، ويخادع من خادعه، وهكذا.
ومن الثاني فقد أُخبر عن الله عز وجل أخبار منها أنه: فرد، لمناسبته الصمد، لكنه ليس من الأسماء الحسنى التي ثبتت بالكتاب والسنة الصحيحة. وكذلك الموجود يُخبر عن الله عز وجل أنه موجود، لكنه ليس اسماً لله عز وجل. فيصح أنّ نقول إخباراً عن الله عز وجل أنه موجود، ولكن لا يصح أن نجعله اسماً له عز وجل، كما سيأتي في شروط اثبات الاسم.
ومن الثالث قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون} [سورة النمل:88]. فالصنع صفة، لكن لا يمكن أن يُشتق منها اسم الصانع؛ وذلك لعدم تحقق شروط اثبات الاسم فيه.
ولإثبات اسم من الأسماء الحسنى لا بد من توفر ثلاثة شروط فيه، فإن تخلف شرط واحد فليس من الأسماء الحسنى:
الأول: أن يكون هذا الاسم ثابتاً في كتاب الله عز وجل، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو فيهما معاً؛ لأنّ باب الأسماء والصفات توقيفي، وليس اجتهادياً.
الثاني: أن يكون الاسم مشتملاً على الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه.
الثالث: أن يكون الاسم مما يُدعى الله عز وجل به.
وأسماء الله عز وجل كلها حسنى تتصف بالحسن المطلق والكمال التام، كما ورد في قوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [سورة الأعراف:180]. ويكمن سبب هذا الحسن في اشتمالها على صفات الكمال التي لا يشوبها نقص من أي وجه كان، سواءً على سبيل الاحتمال أو التقدير.
وتنقسم الألفاظ إلى ثلاثة أنواع:
ألفاظ تدل على معنى ناقص نقصًا مطلقًا: وهذه الألفاظ يُنزه الله تعالى عنها.
ألفاظ تدل على غاية الكمال: وهذه هي الألفاظ الدالة على أسماء الله وصفاته.
ألفاظ تدل على كمال، لكنه يحتمل النقص: وهذه الألفاظ لا يُسمى الله تعالى بها، ولكن يُخبر بها عنه، مثل: الشائي.
كذلك ما يدل على نقص من وجه وكمال من وجه لا يُسمّى الله به، لكن يُخبر به عن الله مثل: الماكر. كقوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين} [سورة الأنفال:30].
ومن أمثلة الأسماء الحسنى اسم الحي، الذي يتضمن الحياة الكاملة، التي لم تُسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، والتي تستلزم كمال الصفات الأخرى من العلم والقدرة، والسمع والبصر وغيرها. ومثال آخر هو اسم "العليم"، الذي يتضمن العلم الكامل الذي لم يُسبق بجهل، ولا يلحقه نسيان، كما قال تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} [سورة طه:52]. وهو العلم الواسع بكل شيء جملة وتفصيلًا، سواء ما يتعلق بأفعاله أو أفعال العباد.
وينطبق هذا الوصف على جميع الأسماء الحسنى الأخرى.
وأسماء الله عز وجل لها تصنيفين رئيسيين: أسماء دالة على وصف متعد، وأخرى دالة على وصف غير متعد.
أولًا: الأسماء الدالة على وصف متعدٍ: إذا كان الاسم يدل على وصف متعد، فإنه يتضمن ثلاثة أمور متكاملة:
ثبوت الاسم نفسه: أي أن هذا الاسم هو أحد أسماء الله الحسنى.
ثبوت الصفة المتضمنة في الاسم: أي أن الله تعالى متصف بالصفة التي يدل عليها الاسم.
ثبوت حكم ومقتضى الاسم: أي أن الاسم يدل على أثر أو فعل معين يقوم به الله تعالى.
مثال ذلك اسم "السميع"، فهو يتضمن:
إثبات "السميع" كاسم من أسماء الله تعالى.
إثبات صفة "السمع" لله تعالى.
إثبات حكم ومقتضى هذا الاسم، وهو أن الله تعالى يسمع كل شيء، وأنّه يسمع السر والنجوى، كما قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} [سورة المجادلة:1]. وينطبق هذا على بقية الأسماء المتعدية، مثل "العليم" و"الرحيم".
ثانيًا: الأسماء الدالة على وصف غير متعد: أما إذا كان الاسم يدل على وصف غير متعد، فإنه يتضمن أمرين فقط:
ثبوت الاسم نفسه: أي أن هذا الاسم هو أحد أسماء الله الحسنى.
ثبوت الصفة المتضمنة في الاسم: أي أن الله تعالى متصف بالصفة التي يدل عليها الاسم.
مثال ذلك اسم "الحي"، فهو يتضمن:
إثبات اسم "الحي" لله تعالى.
إثبات صفة "الحياة" له سبحانه.
وتتجلى دلالة أسماء الله عز وجل على ذاته وصفاته من خلال ثلاثة أوجه: المطابقة، والتضمن، والالتزام:
دلالة المطابقة: وتعني أن الاسم يدل على جميع مدلوله، أو على كامل معناه.
دلالة التضمن: وتعني أن الاسم يدل على جزء من مدلوله، أو على بعض معناه.
دلالة الالتزام: وتعني الاستدلال بالاسم على غيره من الأسماء التي يستلزمها، أو على لازم خارج عنه.
ولتوضيح ذلك، فمثلاً اسم "الخالق":
بالمطابقة: يدل اسم "الخالق" على ذات الله وعلى صفة "الخلق".
بالتضمن: يدل اسم "الخالق" على الذات الإلهية وحدها.
بالالتزام: يدل اسم "الخالق" على صفتي "العلم والقدرة"، إذ لا يمكن للخالق أن يخلق إلا وهو قادر وعالم.
والواجب في صفات الله عز وجل إجراؤها على ظاهرها، وإثباتها على حقيقتها دون تأويل ولا تحريف ولا تعطيل، ومن غير تمثيل ولا تكييف.
والحمد لله أولاً وآخراً.
وكتب
ناجي إبراهيم الدوسري
11/رمضان/1446هـ
إرسال تعليق